الاثنين، مارس 12، 2007

(يَعُد) و( يُعَد)


( أول كلمة في صفحة 155 من (التلصص) التي أخطأت في قراءتها لأول وهلة (يَعُد)، حسبتها (يُعَد)، وعندما تكون قد وصلت إلى هذه الصفحة في الكتاب، ولم تقابل أي كلمة أو ملاحظة تنم عن إنحياز ما، فبكل تأكيد سوف تصدمك كلمة مثل (يُعَد)؛ فهي -عادة- كلمة يتبعها رأي أو تصنيف ما. أما (يَعُد)، فهو فعل مضارع، بسيط، لا ينم عن شيئ غير (الإعداد)، فعل حيادي تماماً مثله مثل نبرة صنع الله وهو يحكي لنا ما جرى، نحن نتابع معه الأحداث، هو ينقل لنا التفاصيل، ونحن نلتقطها كما هي، نأولها أو نحورها، هذا شأننا نحن، هو يضعنا على أول الطريق، ويجلي لنا المنظر مضيفًا إليه كميات هائلة من التفاصيل، ثم يتركنا متحررين من كل قيد قد تفرضه أي وجهة نظر. يحدث دائمًا عندما أقرأ، أو أسمع، قصة ما أن أتخيل الأماكن التي تحدث بها الأحداث. ثم أفكر في تلك الأماكن التي قمت بتخيلها وأحاول معرفة مصدرها، فأكتشف أنها أماكن حقيقية أعرفها أو هي أماكن تخيلتها من قبل في أحداث مشابهة لما أقرأ، وأتعجب من ربط عقلي الباطن، مباشرة، هذه الأماكن بتلك. وبعد ذلك تكون ذكريات القصة الجديدة قد حلت مكان الذكريات القديمة، وهكذا، فتكون المحصلة أن في عقلي صور لمكان قد زرته من قبل بمفردي وحدثت به أحداث أخرى تخيلتها لاحقًا، بسبب القصة، وربما أكثر من قصة! هذا ، أعتقد، هو ما يفسر، إرتباط مكان ما في ذاكرة شخص منذ طفولته وحتى شيخوخته، وهذا أيضًا ما قد يفسر وجود تلك الكمية المرعبة من التفاصيل في ذهن صنع الله، بإضافة مهارته كروائي. أعتقد أن الخلفية السينمائية للرجل قد أثـرت كثيرًا على طريقته في وصف الأماكن والأحداث. فمع ما يبدو من الزهد في أسلوبه (لغويًا) من جمل قصيرة للغاية، لازالت تلك الجمل القصيرة المتتابعة بكثافة قادرة على ليس فقط الوصف بل أيضًا الشحن العاطفي. تمامًا مثل الكادرات الثابتة الطويلة في فنون الصورة المتحركة. عندما أنتهي من أحد رواياته دائمًا ما ينتابني نفس رد الفعل؛ ابتسامة خفيفة، ثم أتمدد لأشد عضلاتي التي قد يكون أصابها بعض التيبس من جراء ثباتي على وضعي مترقبًا كيف سوف ينهي تلك (الحكاية). فلشدة الحيادية تحتار في مغزاه، هو يشحنك بطاقة كبيرة، قد تصيب أحدهم بالملل، وقد ينتاب أحدهم الهوس بجمع المعلومات، مثلما قد يحدث في (أمريكانلي) أو (ذات)، ولكن في النهاية دائمًا ما تجد شئ ، على الأقل، عالق بذهنك، وربما يستمر هذا لفترة. وبالنسبة لي تثبت عندي النهايات، أتذكر دائمًا كيف إنتهت القصص، ربما لأنها الشئ الذي نترقبه على طول الرواية. في بداية قراءاتي لقصص كبيرة، وربما للآن، كنت أجد الأسلوب سهل وجذاب فيشدني لأكمل الرواية، أو أجد الأسلوب صعب فلا أستطيع استكمالها، ولكن عندما بدأت في (ذات) لم أستطع أخذ موقف محدد، فقد أخذني الأسلوب، أخذني أكثر من القصة، كنت مهووس بطرق السرد الجديدة، وكان فيما أقرأه أكثر مما تمنيت من تجديد. في "بيروت بيروت" كان يصيبني بعض الملل عند الفصول التي توصف فيها أحداث الفيلم التسجيلي، ولكنني كنت دائمًا أترقب نهاية الحكاية، بل وكانت تعجبني جرأة الرجل وإصراره على طريقته للنهاية.

سوف أظل مدينًا لريم حسن لإحضارها لي (ذات) و(شرف) في عيد ميلادي، وتعريفي بصنع الله إبراهيم.

ليست هناك تعليقات: